كرة القدم ليست مجرد لعبة، إنها شكل من أشكال الفن.
— رونالدينو
هذا هو الوصف المثالي لكرة القدم من وجهة نظر رونالدينو، وهو أمر مفهوم بالطبع لواحد من أمهر لاعبي كرة القدم في تاريخها على الإطلاق، لكن وصف رونالدينو هذا ليس التعريف الوحيد لكرة القدم، ومن المنطقي أن نتقبل الاختلاف حول فكرة المتعة التي تنتجها لنا تلك اللعبة.
يعتقد البعض أنه من الخطأ تعريف متعة كرة القدم على أنها مهارات اللاعبين فقط، يستلهم هؤلاء متعتهم في كرة القدم من الجزء التكتيكي، بينما يعتقد البعض الآخر أن الندية والتنافس البدني طوال التسعين دقيقة هو متعة كرة القدم الحقيقية.
هذا التعدد في تعريف متعة كرة القدم أنتج لنا مساحة ضخمة من محبي هذه الرياضة، وهو ما يفسر لنا ببساطة المشاهدات المليارية لمبارياتها، وأتاح لنا قدرة على تذوق المتعة بعيدًا عن الإمكانات؛ لذا تجد البعض منجذبًا لمباراة لا يعبأ فيها بالفائز، لكنه فقط وجد المتعة التي يبحث عنها.
جوهر كرة القدم إذن هو المتعة بأشكالها المتعددة، لكن لماذا يعتقد الكثيرون أن كرة القدم النسائية لا تقدم المتعة الكافية، رغم أنها قد تحتوي على بعض مهارات كرة القدم والكثير من الندية؟ أليست هي كرة القدم نفسها التي نعشقها وننسى الوقت معها؟ حسنًا ربما تكمن الإجابة في أصل المعضلة!
ألم يتخيل أحد أن مشكلة كرة القدم النسائية أنها ببساطة نفس كرة القدم التي يلعبها الرجال! قبل أربع سنوات ألقى الإيطالي المخضرم فابيو كابيلو حجرًا في الماء الراكد، وقدم اقتراحات من شأنها طبقًا لوجهة نظره أن تحسن من كرة القدم النسائية، لكنه هوجم بضراوة، دعنا نبدأ القصة من عند الإيطالي العجوز.
في حديثه عن التقدم الذي أحرزته كرة القدم للسيدات منذ نهائيات كأس العالم 2019، خلال نقاش ضمن فعاليات حفل توزيع جوائز لوريوس الرياضية في برلين 2020، أوضح المدرب الإيطالي المخضرم فابيو كابيلو أنه شاهد البطولة كاملة عبر شاشة التليفزيون، ولا يمتلك إلا تعقيبًا وحيدًا: لماذا لا تتغير قواعد كرة القدم للسيدات من أجل أن تكون أكثر ملاءمة لهن.
يعتقد كابيلو أن المرمى كبير للغاية بالنسبة للنساء، وهو ما يجعل الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لحارسة المرمى تحديدًا، والتي من أهم واجباتها القفز عاليًا، كذلك يبدو الملعب واسعًا للغاية دون ضرورة لذلك.
دلل كابيلو على طرحه هذا بأنه في الكرة الطائرة على سبيل المثال تكون الشبكة أقصر في مسابقات السيدات عن مثيلتها في مسابقات الرجال، كما أن هناك اختلافات أيضًا في كرة السلة. وهو طرح واقعي بالفعل؛ فطول الشبكة في الكرة الطائرة للرجال 2.43 متر، بينما في لعبة السيدات 2.24 متر، أما في كرة السلة فأهم الاختلافات أن الكرة نفسها تكون أصغر بحجم إنش كامل في مباريات السيدات في دوري كرة السلة للمحترفات الأمريكي، وهو الأشهر بالطبع.
يبدو حديث كابيلو منطقيًّا بشكل كبير، يمكنك ببساطة متابعة كل أهداف كأس العالم للسيدات 2023 في الرابط أدناه، وستدرك على الفور أن أكثر من نصف تلك الأهداف لم يكن ليُسجل في مرمى أصغر!
إلا أن حديث كابيلو لم يلقَ استحسانًا، بل هاجم الرجل بشكل قاسٍ أهم لاعبات كرة القدم للسيدات!
في النقاش نفسه عبرت جيل إليس، الفائزة بنسختي كأس العالم للسيدات من قبل، عن رفضها لحديث كابيلو، مؤكدة أن هذا يضر بنقاء لعبة كرة القدم، وأن هناك حارسات طويلات القامة يشاركن مؤخرًا في المباريات.
زادت حدة الرفض تلك عند حارسة إنجلترا كارين باردسلي، التي أكدت أن تغيير حجم المرمى لن يساعد في الكفاح من أجل المساواة في كرة القدم، فالنساء ناضلن بشدة لتغيير النظرة إلى لعبة كرة القدم النسائية؛ ولذا أي تغيير لن يكون مفيدًا في قضية المساواة تلك؟
هذا هو بيت القصيد إذن، ترفض لاعبات كرة القدم إحداث تغيير جذري في اللعبة لأن هذا سيكون اعترافًا صريحًا بأن كرة القدم التي يلعبنها مختلفة عن كرة القدم للرجال، حتى لو أن النتيجة ستكون كرة قدم أكثر متعة، ربما تجذب أنظار المشاهدين من الرجال، وهو ما لم تنكره كارين نفسها، فهي تعترف أنها كحارسة مرمى ترغب في ذلك، لكنها ترى أنه ربما تضر باللعبة نفسها.
تتفق حارسة إنجلترا المعتزلة سيوبان تشامبرلين مع زميلتها، بل ترى أن الأمر لن يقف عند حدود المرمى فقط، فالنساء لديهن أقدام أصغر أيضًا، فهل سيُطالَب بتغيير حجم الكرة؟
والإجابة نعم، إذا كان هذا سيكون مناسبًا للتكوين الفسيولوجي للنساء فلمَ لا؟ أليس الهدف النهائي هو لعب كرة قدم ملائمة لعناصر اللعبة، مما سينتج عنه متعة للمشاهدين؟
هذا ما يعتقده جوي بارتون على الأقل، الذي تحدث لبودكاست بعنوان «كرة القدم والنسوية وكل شيء بينهما» عن أنه على الجميع تقبل أن الرجال والنساء مختلفون بشكل أساسي، وأن تغيير حجم المرمى والملعب وكذلك حجم الكرة من مقاس خمسة إلى مقاس أربعة، قد يساعد كرة القدم النسائية كمنتج يُسوَّق له، ويحررها من الناحية التكتيكية والفنية من القيود الحالية، والتي تجعلها رياضة مختلفة عن كرة قدم الرجال.
بعيدًا عن سمعة بارتون البعيدة عن التكتيك والفن، فإن حديثه يبدو وجيهًا، أما فكرة المساواة تلك فلا علاقة لها بالمتعة التي يرجوها المشاهد من اللعبة، ثم إن هناك أصواتًا نسائية تتفهم الأمر.
تعد مدربة تشيلسي الإنجليزي إيما هايز، واحدة من أهم الأسماء في كرة القدم للسيدات، وقد اقترحت ببساطة ضرورة تعديل لعبة السيدات لسد الفروق الجسدية بين النساء ونظرائهن من الرجال.
أما مراسلة كرة القدم النسائية كاتي وايت، فقد أوضحت أن لا علاقة بين لعبة كرة القدم وبين مسألة المساواة تلك، وأنه آن الأوان لنظرة متجردة، وضربت مثالًا بكرة القدم للشباب، حيث لا يُنصح بلعب 11 لاعبًا ضد 11 في عمر أقل من 13 عامًا، ولا يُلعَب بكرة مقاس خمسة لعمر أقل من 15 عامًا، وكذلك لا يلعب الناشئون في ملعب بحجم طبيعي قبل أن يصلوا لـ17 عامًا.
النقطة المهمة هنا هي أن تحديد مدى مناسبة كرة القدم للاعبين أمر منطقي، ومحاولة لعب الشباب لكرة قدم حقيقية كما يزعم البعض قد يضر بهم، الأخذ في الاعتبار أن الاختلافات الجسدية موجودة هو مجرد منطق سليم وليس إهانة لأي شخص. أما عن فكرة المساواة، فمن قال إن أجساد الذكور هي الوضع الافتراضي للأجساد، ويجب اللعب طبقًا لمعاييرها، وإلا دُحِضت فكرة المساواة في كرة القدم.
تتبلور فكرة المساواة تلك في الأصوات التي تنادي بضرورة المساواة بين رواتب لاعبي كرة القدم الرجال واللاعبات من السيدات، فقد وقفت اللاعبة الأمريكية الأشهر ميجان رابيو في البيت الأبيض لتؤكد أنها تتعرض للظلم؛ لأنها تتقاضى أجرًا أقل من الرجال الذين يقومون بالعمل نفسه الذي تقوم به.
في الحقيقة تتقاضى ميجان أجرًا أقل لأن المشاهدين يحبون كرة القدم للرجال بشكل أكبر، وذلك لأنها ممتعة، ويدفعون فيها الأموال بحثًا عن تلك المتعة، لذا ربما تتحقق تلك المساواة في الرواتب عندما تؤمن اللاعبات أنفسهن أنه لا علاقة للمساواة بمتعة كرة القدم.